وبتحليل الأوضاع الاقتصادية آنفة الذكر في موقع الهندسة الزراعية ، والتي لا تزال تصدق على نسبة كبيرة من الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، نجد أن الزراعة في هذه البلدان والتي تشكل حجر الزاوية في الاقتصاد الوطني لتلك الدول لا تزال متخلفة وغير متطورة، ويرجع ذلك إلى العديد من المشاكل والصعوبات التي تواجه الزراعة والتنمية الزراعية، التي يمكن إيجازها فيما يلي:
- أن معظم الأراضي القابلة للزراعة في كثير من الدول ذات طابع صحراوي أو صخري أو أنها مكسوة بالغابات وما إلى ذلك.
- أن كثيرا من البلدان تعاني من قلة مياه ومشاريع الري، فهي تعتمد على سقوط الأمطار التي يصعب التحكم في كمياتها أو مواعيدها أو توزيعها.
- أن الكثير من الأراضي الزراعية قد تفقد خصوبتها نظرا للإهمال وسوء الإدارة فتصبح أراضي غير صالحة للزراعة.
- تدني الإنتاجية الزراعية نتيجة لجهل المزارعين وعدم استجابتهم للإرشاد الفلاحي. مما يترتب عليه تدني خصوبة الأرض وسوء فلاحتها ورداءة أنواع البذور وبدائية الأساليب والطرق الزراعية المتبعة وما إلى ذلك.
- انعدام سياسات سعرية ومالية ملائمة تستطيع استقطاب الأموال اللازمة للاستثمار في قطاع الزراعة من أجل إنتاج زراعي مربح.
- عدم كفاءة أجهزة الإرشاد الفلاحي في توفير النصح والإرشاد لجماهير الفلاحين ومساعدتهم على تنمية زراعتهم وتطوير أساليبهم الزراعية.
- عدم توفر نظام قادر على توفير المتطلبات والمدخلات الزراعية الحديثة إلى الفلاحين في الوقت المناسب وبالسعر المناسب.
- عدم توفر الإمكانيات أو الأموال الكافية، لتعميم برنامج متكامل للإقراض الزراعي يستفيد منه غالبية الفلاحين، بالحصول على القروض الزراعية بشروط ميسورة.
- قلة أو عدم وجود الطرق والمسالك بين المزارع والأسواق مما يعيق وصول الخدمات والتجهيزات اللازمة إلى الفلاحين في حينها من جهة، وتسويق الإنتاج من جهة أخرى.
وبالنسبة للدول العربية (ومنها الجزائر) تحديدا، فقد أدت مظاهر التخلف تلك، إلى تراجع نسبي في نسبة الاكتفاء الذاتي، وذلك على الرغم من الزيادة الملموسة في إنتاج جميع المواد الغذائية خلال فترة الثمانينيات؛ إلا أن هذه الزيادة لم تكن كافية لتحسين نسبة الاكتفاء الذاتي في معظم المواد الغذائية، بل أن صورة الاكتفاء الذاتي تراجعت بنسبة كبيرة. وذلك راجع بالدرجة الأولى إلى اعتماد الزراعة العربية على مياه الأمطار الشحيحة أصلا والمتذبذبة من موسم لآخر، بالإضافة إلى ضعف الاستثمار الزراعي بصفة عامة، وتواضع المستويات التقنية ومعدلات الإنتاجية لمعظم المحاصيل والمنتجات الأساسية.
ومما يزيد من تخلف القطاع الزراعي (العربي) عموما، ويعقد من مهمة جسر الفجوة بين معدلات الإنتاج والاستهلاك، ما يلي:
أولا
الزيادة المطردة في عدد السكان بمعدلات مرتفعة تصل إلى % 2.5سنويا متجاوزة بذلك المعدل العالمي البالغ ،%1.7مما يتطلب معه زيادة احتياجات السكان من الغذاء والخدمات الاجتماعية الأخرى كالتعليم والصحة وما إلى ذلك. كما أن الزيادة السكانية تضيف عبئا آخر يتمثل في اتساع سوق طالبي العمل؛ ففي السنوات الأخيرة سجلت نسبة البطالة في العالم العربي ما يعادل %11من قوة العمل، أي نحو 10ملايين نسمة، من بينهم حوالي %60من الحاصلين على درجات تعليمية عالية ومتوسطة.
ثانيا
محدودية الموارد المائية، والتي تعتبر أخطر تحديات المستقبل التي تواجه الدول العربية، إذ يسود الجفاف معظم بلدان المنطقة، حيث تقدر المساحة المروية بنحو %20 فقط من المساحة المزروعة، أما %80المتبقية من المساحة المزروعة فتعتمد على الأمطار والتي تتصف بعدم الاستقرار. وللعلم، فإن المنطقة العربية تشكل نحو %5من سكان العالم وتتوفر على % 0.9فقط من الموارد المائية العالمية؛ ولقد ازداد عدد الدول العربية الفقيرة في الموارد المائية من ثلاث دول عام 1955وهي البحرين والأردن والكويت، لتصل إلى 11دولة عام 1990من بينها الجزائر. ومن المتوقع أن تقع كل الدول العربية تحت خط الفقر المائي مع حلول عام .2025كما يتوقع أن يصل نصيب الفرد من الموارد المائية في العالم العربي إلى 700متر مكعب في السنة، وهو أقل من الحد الأدنى لتحقيق احتياجاته الغذائية والتي تقدر بـ 1000م 3في السنة.
وفي هذا السياق، تعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق التي تفتقر إلى موارد مناسبة من المياه العذبة، حيث أن معظم إمدادات المياه العذبة (بالنسبة للدول المشرقية) تأتي من خارج حدوده القطرية. علما بأن إجمالي الموارد المائية العذبة تقدر بحوالي 10227مليار متر مكعب، يمثل فيها المورد المطري %22.3والمورد الجوفي ،% 75.6وهذا المورد الأخير يستغل منه حاليا %0.45من إجمالي المياه الجوفية العربية، وبما يمثل %0.34 من إجمالي الموارد المائية بالعالم العربي.
وبالنسبة للاستعمال وفقا للقطاعات الاقتصادية المختلفة، تشير الإحصائيات أن متوسط استخدامات المياه بالمنطقة العربية تتوزع كالتالي: %88للزراعة، و%3 للصناعة و %9 للاستخدام البشري .وحتى تتمكن من تدارك حالة النقص هذه، فإن على الدول العربية أن تستغل مواردها المائية بكفاءة، بالإضافة إلى ضرورة تطوير منتجاتها وبناء قدراتها التنافسية حتى تتمكن من زيادة صادراتها وتوفير النقد الأجنبي لاستكمال احتياجاتها من الغذاء.
ثالثا
ضعف المستوى العلمي والتكنولوجي، فالدول العربية في مجملها مازالت تعتمد على الخارج كمصدر للتكنولوجيا، وبخاصة منها التكنولوجيا الزراعية في مجال الهندسة الوراثية والتي إن توفرت بما فيه الكفاية سوف تحدث تطورات هائلة في مجال إنتاج الغذاء، وغير ذلك من السلع التي يحتاجها الإنسان. وهذه التكنولوجيات يتحكم في إنتاجها عدد قليل من الشركات العالمية في مجال البذور والأصناف. ويحتاج هذا الوضع من الدول العربية إعادة صياغة خططها البحثية والعلمية وزيادة إنفاقها الضئيل في هذا المجال، حيث أن الدول العربية تخصص فقط %0.4من الإنفاق العلمي إلى البحث العلمي؛ وللعلم يصل الإنفاق على البحث العلمي %0.2من الناتج العربي الإجمالي مقارنة بنسبة %1.4على مستوى العالم.
رابعا
ويتمثل التحدي الرابع في موقع الزراعة العربية من منظومة عصر العولمة وما تفرضه من منافسة وحرية للتجارة وانتقال عناصر الإنتاج ومنها التكنولوجيا ورأس المال والعمالة. وخصوصا مع تنامي دور منظمة التجارة العالمية (WTO) ،وما تفرضه من اتفاقيات متعددة الأطراف، في مختلف المجالات وتحديدا في مجال التخفيضات
الجمركية وكل ما له صلة بالاقتصاد الزراعي أساسا. كما أن الشراكة الأورو متوسطية ستترك آثارها على الزراعة العربية تصديرا واستيرادا على المدى البعيد. وهذه
المتغيرات على الصعيد الخارجي هي تحديات للزراعة العربية بل للمجتمع العربي كله، وتضع أمام جميع الفاعلين سياسيا واقتصاديا خيارات إستراتيجية محددة لعل من أهمها تقوية وتنمية التعاون العربي في مجال الغذاء وغيره في إطار سوق عربية مشتركة.
وسنعود بشيء من التفصيل لبعض التحديات التي تواجه الزراعة الجزائرية تحديدا، في مقالات لاحقة على موقع الهندسة الزراعية .