إن البنية العامة للنسيج الخشبي ونمط انتشار العناصر الناقلة وتموضعها بالنسبة للمسار الهيدروليكي للماء يتأثر كثيرا بتواجد العناصر الخشبية الحية، فهذه الأخيرة ونتيجة لخصائصها الخلوية والتركيبية تمثل مكونات مغلقة أو بالأحرى كتل مصمتة ومسدودة وتتسبب في تشكيل مناطق مقفلة ضمن الشبكة الخشبية العامة والتي تكون في العادة مفتوحة أمام الحركات السريعة والحرة للسوائل والمواد عند مرحلة النضج الكامل. لهذا السبب تكون الشبكة الخشبية الحديثة النامية مختلفة بشكل جذري عن الشبكة الخشبية البالغة، فهذه الأخيرة تنطبق عليها التصورات التقليدية حول الجهاز الخشبي فهي عبارة عن شبكة مستمرة ومتصلة من الأوعية الميتة المفتوحة والتي تسمح بالحركة السهلة والسريعة للمواد. لكن بالمقابل نجد أن تركيبة وهندسة الشبكات الخشبية النامية تخضع لعاملين رئيسيين هما:
- النمو التدريجي لمختلف الطبقات الوعائية والناتج عن التدرج في تمايز وتطور ونضج العناصر الخشبية،
- تواجد وتموضع الأوعية الحية عند النهايات الطرفية للأوعية النامية.
نتيجة لهذين العاملين فإن الشبكة الخشبية النامية لا بد أن تتكون من مجالين مختلفين تماما هما: أولا مجال الأوعية المفتوحة البالغة وهو المجال الذي يوفر المسار الأبوبلاستي الحر للماء، وثانيا مجال الأوعية الفتية الحية وهو الجانب المقفل من الشبكة النامية والذي يشكل حاجزا أمام حركة الماء الأبوبلاستية الحرة.
هذه هي الأسباب الرئيسية الذي جعلتنا نولي اهتماما خاصة بالأوعية الحية ونحاول دراسة تأثيراتها التشريحية والوظيفية في الأنظمة الخشبية الحديثة، وهذا طبعا يكتسي أهمية بالغة في معرفة وفهم عمليات النقل والتزويد بالماء والمغذيات خلال مراحل النمو والتطور.
ومما يزيد من أهمية الموضوع الدور الكبير الذي يلعبه النقل الفعال في ضمان عمليات النمو والتطور، فهذه العمليات تعتمد بشكل حاد على تكاثر ونمو الخلايا الأم والخلايا المتمايزة والمتخصصة وهذا بدوره يعتمد كثيرا على التزويد السليم والصحيح بالماء والمغذيات. كذلك ومن جهة أخرى نجد أن كل من الأوراق والثمار ومختلف الأعضاء الخضرية تتحصل على حاجياتها المائية والمعدنية مباشرة من الحزم الخشبية النامية، فالماء الذي يذهب إلى هذه الأعضاء يمر خلال الحزم النامية وبالتالي فهو يتأثر بدرجة النمو وتواجد الأوعية الحية، وهذا يشير إلى أن تأثير الأوعية الحية قد يتعدى مجرد التأثير على حركة الماء ولكن أكثر من ذلك فهي قد تؤثر على نمو وخصائص الأوراق والثمار وما إلى ذلك.
لما كانت الأعضاء النباتية الحديثة النامية، مثل الأفرع الخضراء، هي الأعضاء الفعالة والمنتجة عند النباتات الراقية فإن معرفة الهندسة التشريحية والوظائف الهيدروليكية للأنسجة الخشبية عند هذه الأعضاء سوف يساعد بلا شك في فهم العمليات الحيوية المرتبطة بالنمو والتطور ناهيك عن وظائف التمثيل الضوئي والتنفس المرتبطتان كثيرا بعمليات النقل والتزيد بالعناصر وكذلك عمليات النتح. أيضا قد تساهم هذه المعلومات في تحديد وضعية الأوعية الحية وهل انها مجرد حاجز أمام حركة الماء أم انها قد ترقى إلى عامل أكثر اهمية سواء في عمليات النقل أو في العمليات الأخرى ذات العلاقة المباشرة بالنسيج الخشبي. عموما كل هذه القرائن تستدعى إعادة الاعتبار للأوعية الحية ومراجعة تصوراتنا التشريحية حول الأنسجة الخشبية النامية.
ولتوضيح ھذا التأثير المهم للأوعية الفتية الحية على تركيبة وهندسة النظام الخشبي النامي، فإن الجزء الأول من البحث :الأهمية التشريحية والوظيفية للأوعية الفتية الحية في الجهاز الـخشبي يهتم بدراسة تواجد الأوعية الحية ضمن الشبكات الخشبية للسيقان والجذور الحديثة، ويعتمد في ذلك على تقنيات التلوين بواسطة الصبغيات الأبوبلاستية والتي أدمجت في اختبار السحب والتلوين. ھذا بالإضافة إلى تتبع المراحل التدريجية لتمايز ونمو ونضج الطبقات الوعائية المتتالية وهو الشيء الذي سوف يساعد على تشكيل الصورة الكاملة للهندسة التشريحية للشبكة الخشبية في مرحلة محددة من العمر. عموما التجارب المتعلقة بالجزء الأول من البحث تتلخص في دراسة:
- وتواجد الأوعية الحية على طول الحزم النامية في السيقان والجذور
- وتمایز ونضج الأوعية في السيقان والجذور النامية.
في الفصل الثالث من ھذا البحث سوف نتعرف على الطرق التجريبية التي اتبعناها للكشف عن الأوعية الفتية الحية والتعرف على كيفية تأثيرها على النمط التشريحي للحزم الخشبية النامية.
وهذا طبعا من أجل أن نضع خريطة تشريحية للحزم النامية ولتحديد نموذج مفصل للمسار الخشبي أثناء فترة النمو.
إن هذه التجارب سوف تساعدنا، بلا شك، على فهم الهندسة التشريحية للحزم الخشبية التي مازالت في طور النمو، وهو الشيء الذي من شأنه أن يسمح لنا باقتراح المسار الحقيقي للماء أثناء انتقاله عبر الحزم الخشبية الحديثة.