تعاني الزراعة في غالبية البلدان النامية من مختلف المشاكل التي تؤدي إلى محدودية السوق الزراعية وتدني فعاليتها، مما يجعل من تنظيم السوق ضرورة ملحة. ويتمثل التسويق الزراعي في كافة الأنشطة المتعلقة بتحويل وتخزين ونقل المنتجات الزراعية للمستهلك المحلي والأجنبي، وبالتالي فهو يساهم بقدر كبير في خلق القيمة المضافة وفرص التوظيف للاقتصاد الوطني؛ ولهذا يمكن اعتباره مؤشرا إيجابيا عن مرحلة التنمية التي يمر بها الاقتصاد. ويتولى المهام التسويقية مجموعة من الأجهزة والتنظيمات مثل المشروعات التجارية المستقلة، والتعاونيات الزراعية، والتعاضديات، والمشروعات التي تتولى التصنيع والبيع بالجملة، وكذلك الشركات المختصة ذات الطابع العالمي. هذا وبالرغم من أهمية التسويق الزراعي، فإنه لم ينل العناية اللازمة، عند تصميم وصياغة خطط التنمية الزراعية، بل أنه عرف لامبالاة واضحة في كثير من الأحيان؛ حيث كان التركيز بالأساس على سياسات الإنتاج والأسعار، بحجة أن زيادة إنتاج الغذاء مثلا سوف تؤدي إلى تحسين الوضع الغذائي للسكان، وأن هذه الزيادة ستلعب دور المحرك في عملية التنمية الريفية، على اعتبار أن الأسواق سوف تتطور بشكل تلقائي تماشيا مع زيادة الإنتاج. وهذا فهم خاطئ، حيث تشير الدلائل العلمية والواقعية أن غياب التسويق الكفء قد يعرقل الإنتاج والتنمية الريفية بشكل مباشر. ولهذا فمن الواجب الاهتمام بعملية التسويق، وضرورة إتباع سياسة ذات أهداف واضحة في هذا المجال من أجل تنمية شاملة، وتتلخص أهداف السياسة التسويقية الزراعية في النقاط التالية:
1 – ضمان الاستقلال الوطني، ويتحقق ذلك برفع نسب الاكتفاء الذاتي وتنويع الإنتاج؛
2 – تحسين مستوى المعيشة من خلال زيادة الناتج الاجتماعي الحقيقي، ويتأتى ذلك من خلال تشجيع استخدام التكنولوجيا، وتنمية الموارد البشرية، وتحسين كفاءة رأس المال وزيادة المتاح منه؛
3 – السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال العمل على استقرار الأسعار الزراعية، وتفعيل التسويق الزراعي، وخلق فرص عمل جديدة في أنشطة تتسم بكثافة استخدام عنصر العمل.
ومن الناحية التاريخية، فإن مجالس التسويق الحكومية تعتبر من بين أهم أدوات السياسة التسويقية الزراعية، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى أزمة الكساد العالمي سنة 1929،حينما اعتبر الفشل التسويقي بمثابة العامل الرئيسي في وقوع الأزمة. وتفاديا لتكرار وقوع مثل هذه الكوارث فقد سنت بريطانيا قوانين لتنظيم التسويق الزراعي سنتي 1931و 1933م، حيث تم بمقتضاها إنشاء مجالس مهمتها السهر على عملية التسويق؛ ولقد تبعت بريطانيا في هذا الشأن عدة دول أخرى . وبالنسبة للدول النامية خصوصا، تحاول الكثير منها فرض نظام تسويقي ذي قناة واحدة للإنتاج والمدخلات، حيث يقوم الفلاحون ببيع منتجاتهم إلى الوكالات الحكومية أو يتم تقييد التجارة التي يقوم بها القطاع الخاص، على الأقل بالنسبة للمستوردين وتجار الجملة. وفي معظم الدول النامية تسهر مجمعات التسويق الحكومية كتلك الخاصة بالحبوب والمنتجات الغذائية مثلا، على تحقيق استقرار أسعار المنتج والمستهلك، كما تقوم بعضها كالجزائر مثلا، بدعم مباشر لبعض السلع الأساسية، بحيث تحافظ على سعر مقبول لها بغض النظر عن أسعارها في السوق العالمي؛ ولهذا فإن وجود قناة تسويق موحدة بالنسبة للمدخلات الزراعية يصبح أمرا شائعا وواسع النطاق، أين تقوم الوكالات الحكومية في العادة بتوزيع هذه المدخلات بأسعار مدعمة.