إذا كانت السياسة الزراعية هي عبارة عن برامج تشمل كيفيات التعامل مع القطاع الزراعي على المديين القريب والبعيد، فهي تتباين من منطقة لأخرى ومن فترة زمنية لغيرها؛ كما تؤثر آليات السوق السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة على التغيرات والاختلافات في السياسة الزراعية؛ ويتجلى الاختلال أكثر بين الدول المتقدمة والدول النامية؛ ففي الدول الصناعية التي يتزايد فيها الوزن السياسي للمزارعين، نجد أن السياسات الزراعية تتحول من مرحلة استغلال الزراعة إلى حمايتها، بتشجيع الإنتاج الوفير من أجل التصدير؛ أما الدول النامية فتفضل الاستيراد على حساب التصدير،
وتسعى (خطأ) إلى التنمية من خلال القطاع الصناعي، على حساب القطاع الزراعي.
ومن خلال الدور الاستراتيجي الذي تلعبه الزراعة في الدول النامية، كان من الضروري أن نتعرف على بعض السياسات الزراعية في هذه المجموعة من الدول، وعن أهمية الزراعة بالنسبة لاقتصادياتها، وبخاصة ما تعلق منها بالدول العربية، على اعتبار أن هذه الأخيرة هي جزء من الدول النامية، وهي الأقرب في جميع خصائصها من خصائص الزراعة الجزائرية. وفي هذا الصدد، يبدو جليا أن أغلب تجارب البلدان العربية التي طُبقت في إطار التنمية الزراعية، لم تفلح في القضاء على الهوة التي تفصل بين الطلب على الغذاء وبين الإنتاج ، بحيث بقي تزايد الطلب على الغذاء يفوق تطور الإنتاج الزراعي بشكل كبير؛ ولعل من بين الأسباب وراء ذلك ما يلي:
1 – إن الإصلاحات الزراعية على مستوى البلدان العربية بين الخمسينيات والسبعينيات
سواء كانت ذات طابع اشتراكي أو ليبرالي لم تسجل نجاحات تذكر في مجال التنمية الزراعية، بحيث بقيت الزراعة في هذه البلدان بعيدة عن الكفاءة الاقتصادية والرفع من قدراتها الإنتاجية، وذلك لأسباب عديدة، منها: سوء الإدارة، وقلة المتخصصين، وانتشار البيروقراطية، والعجز في استعمال التكنولوجيا، وإعطاء الأولوية للأهداف السياسية.
2 – لم توفق سياسات البحث والإرشاد الزراعي في البلدان العربية في تحقيق النتائج المرجوة منها فيما يخص تقدم القطاع الزراعي نظرا لغياب سياسات مدروسة للبحوث الزراعية، وما تستوجبه من مخططات وبرامج من أجل تطوير الزراعة مستقبلا، وغياب نظام معلومات وإحصاءات متكامل وموحد، وبقاء البحث على المستوى النظري، دون الاهتمام بالجوانب التطبيقية ذات الخصوصيات المتميزة؛ وكل ذلك في ظل تفتت إداري لمؤسسات البحث والتكوين، وعدم الربط بينها، وعدم وجود خطة متكاملة للدولة تحدد أهداف وأدوار كل منها.
3 – يعاني الإقراض الزراعي في هذه الدول مشاكل كثيرة تعيقه عن أداء مهمته في السياسة الاقتصادية الاجتماعية الزراعية، وفي تطوير الزراعة على وجه الخصوص
4 – عدم تحديد أهداف استصلاح الأراضي في كثير من الأحيان
وعدم وجود تكامل وترابط بين مراحله المختلفة، من حيث اختيار مناطق الاستصلاح واختيار الأساليب الملائمة للاستغلال الأمثل، مع غياب الالتزام بالشروط الفنية اللازمة.
5 – تمثل ندرة الموارد المتجددة للمياه، وضعف المستوى التسييري لها، عائقا أساسيا في تفعيل التنمية الزراعية في البلدان العربية.
6 – اختلاف السياسات السعرية الزراعية بين بلد وآخر، وحتى داخل البلد الواحد من مرحلة لأخرى.
7 – فشل مؤسسات التسويق الزراعي في تحقيق الأهداف المنشودة
إذ أن معظمها تتسم بالتضخم والبطالة المقنعة في أجهزتها الإدارية والخسارة في موازناتها، حتى أنها أصبحت عبئا إضافيا على أجهزة الدولة. وبذلك بقيت المنتجات الزراعية غير قادرة على المنافسة لافتقادها للمواصفات والمقاييس والجودة، زيادة على النقص في الهياكل القاعدية من تخزين وحفظ ونقل، مما أثر على كفاية انتقال السلع من المنتج إلى المستهلك بأقل كلفة وأقل فاقد ممكنين؛ بالإضافة إلى عدم القدرة على التصدير للخارج.
8 – محدودية التوسع في الإنتاج الحيواني نظرا لقلة المراعي وفقرها وإهمالها
حيث لم تهتم السياسات الزراعية بما فيه الكفاية بترقية هذا الفرع، بالرغم من أهميته الاقتصادية.
9 – إهمال القطاع الصناعي ـ الزراعي
بحيث لم تطرح سياسة واضحة تربط بين المجالين، بالرغم من أن الزراعة لا يمكنها أن تتطور إذا لم توجد مصانع تتكفل بتصنيع الفائض في محاصيلها، ومما ساعد على ذلك غياب عادات استهلاكية تشجع على استهلاك المنتجات الصناعية الزراعية؛ كما أن غياب التصنيع الزراعي قد تسبب في إتلاف الكثير من المحاصيل الزراعية على مر السنين، وساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تدني وتيرة الإنتاج، مثلما حدث في الجزائر بخصوص منتوج الطماطم في نهاية التسعينيات، وكذلك محصول البطاطس في الكثير من المرات كان آخرها سنة 2006،وغيرهما.
وتأسيسا على ما سبق، يبدو أن أهم مشكلة تجمع بين كل السياسات الزراعية في الدول العربية، هي أنها ورغم كونها براقة وواعدة أحيانا على المستوى النظري، فإنها باستمرار تواجه الكثير من الصعوبات والعقبات في شقها العملي، ذلك أنها في غالبيتها تأتي كسياسات جزئية تطرح كحلول لمشاكل معينة قائمة، وأنها غير مبنية على دراسات ميدانية مسبقة للواقع تبعا للاحتياجات الحقيقية للقطاع. ولهذا يجب أن تتخذ السياسات الزراعية في ضوء دراسات علمية مسبقة لواقع القطاع الزراعي، واحتياجاته؛ ولن يتسنى ذلك إلا بتطوير البحث العلمي الزراعي، والتوجه أكثر نحو تشخيص المشاكل العملية، و المزيد من التنسيق بين مراكز البحث الزراعي العربية.