مقالات

الزراعة وتعزيز الأمن الغذائي في البلدان النامية

4.5
(2)

قبل الخوض في التفاصيل  ينبغي أولا وقبل كل شيء تحديد مفهوم الأمن الغذائي، حيث يقصد به “قدرة المجتمع على توفير احتياجات التغذية الأساسية لأفراد  الشعب، وضمان حد أدنى من تلك الاحتياجات بانتظام” . 

وتبعا لهذا التعريف يمكننا التمييز بين مستويين للأمن الغذائي: أحدهما مطلق، وآخر نسبي. فالأمن الغذائي المطلق يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل. ومن الواضح أن مثل هذا التحديد المطلق الواسع للأمن الغذائي توجه له انتقادات كثيرة إضافة إلى أنه غير واقعي، كما أنه يفَوت على الدولة المعنية إمكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على التخصص وتقسيم العمل واستغلال المزايا النسبية.
أما الأمن الغذائي النسبي، فيعني قدرة الدولة على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أو جزئيا، وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام. وبناء على هذا التعريف الجزئي الأخير فإن مفهوم الأمن الغذائي النسبي لا يعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية، بل يقصد به أساسا توفير المواد اللازمة لتلبية هذه الاحتياجات من خلال منتجات أخرى يتمتع فيها البلد المعني بميزة نسبية تؤهله لتأمين الغذاء بالتعاون أو التبادل مع دول أخرى؛ وبالتالي فإن المفهوم النسبي للأمن الغذائي يعني تأمين الغذاء بالتعاون مع الآخرين.

وتأسيسا على ما سبق يمكن تقسيم الدول تبعا لمستوى أمنها الغذائي إلى عدة أنواع:

1 – دولة تمتلك الموارد الطبيعية الزراعية وتتوفر فيها الموارد الماليـة اللازمـة لاستغلالها، فهي بذلك تعد من البلدان التي تتمتع بالأمن الغذائي المسـتدام Sustainable ،Food Securityحيث أن معظم الاحتياجات الغذائية، إن لم تكن كلها، تُنـتج محليـا ولا يوجد ما يهدد الأمن الغذائي.

2 – دولة لا تمتلك الموارد الطبيعية الزراعية ولكنهـا تمتلـك المـوارد الماليـة، وبالتالي فهي تمتلك القدرة على استيراد احتياجات مواطنيها الغذائية من الخارج، وتـأتي في مقدمتها دول الخليج العربي. ومثل هذا النوع من البلـدان يتمتـع بـالأمن الغـذائي مادامت تعيش مناخا إقليميا ودوليا سلميا وتعاونيا، على افتراض أن يتقيد المجتمع الدولي ويتمسك بالقيم الإنسانية وعدم استخدام الغذاء كسلاح للضغط أو لحسم الخلافات السياسية بين الدول والمجتمعات ( غير أن هذه المبادئ لا يلتزم بها الجميع، وخير مثال على ذلك الحضر الإسرائيلي تجاه دولة فلسطين المحتلة).

3 – دولة تمتلك الموارد الطبيعية الزراعيـة ولكنهـا لا تتـوفر علـى المـوارد الاقتصادية اللازمة لاستغلالها ولعل السودان خير مثال على ذلك. فهي بذلك تفتقر إلـى الأمن الغذائي في المدى القصير وربما في المدى المتوسـط، ويتحقـق أمنهـا الغـذائي بصورة مستدامة متى ما توفرت الموارد المالية اللازمة والإرادة السياسـية لاسـتغلال مواردها الطبيعية الزراعية.

4 – دولة لا تملك الموارد الطبيعية وتفتقر إلى الموارد المالية والاقتصـادية التـي تمكنها من استيراد الاحتياجات الغذائية، وهذا النوع من البلدان هي التي تعـاني مشـاكل حقيقية في أمنها الغذائي على المديين القصير والبعيد، وتدخل ضـمن هـذه المجموعـة أغلب دول الجنوب وبخاصة منها معظم الدول الأفريقية.

من خلال هذا التصنيف يبدو أن الجزائر لا تصنف ضمن أي منها، وهـذا أمـر مثيـر للحيرة، فهي من الناحية الموضوعية يمكن أن تدخل ضمن المجموعـة الأولـى علـى
اعتبار أنها تتوفر على الأراضي الزراعية والموارد المائية النسـبية ووجـود مسـاحة شاسعة تضم أقاليم مناخية متباينة (صحراوية، شبه صحراوية، معتدلة…الخ)؛ كما أنهـا تتمتع بمستوى اقتصادي ـ مالي ملائم (على الأقل في الآونة الأخيرة منذ بداية الألفيـة الثالثة)، إلا أنها تبقى رهينة ما قد تستورده من الخارج بأسعار مرتفعة، وتزداد كمية مـا تستورده من الغذاء بحيث تصبح قدراتها المالية منهكة، لكن من الممكـن تجـاوز هـذا الخلل بتعبئة العنصر البشري وتحفيزه على العمل، من أجل خلق ثروة اقتصادية محلية.

وبصورة عامة، فإن المعايير المستخدمة لتحديد مستوى الأمن الغـذائي لأي بلـد يمكـن حصرها فيما يلي:

  •  نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الإستراتيجية، ذات النمط الاستهلاكي السائد.
  •  نسبة قيمة صادرات الإنتاج الزراعي إلى وارداته.
  • نسبة قيمة واردات السلع الزراعية بالنسبة لإجمالي الواردات.
  • مقدار مساهمة الناتج الزراعي في إجمالي الناتج المحلي.
  •  متوسط حصة الفرد من قيمة الإنتاج الزراعي.
  •  نسبة المخزون الغذائي إلى الاستهلاك السنوي.

هذا وبالرغم من التحسن الذي طرأ على إنتاج الغذاء منذ بداية الثورة الخضراء Green Revolutionفي بداية السبعينيات من القرن الماضي، والتقلص النسـبي لعـدد السـكان المهددين بعدم الأمن الغذائي )مع اتساع خارطة الفقر في العالم(، إلا أنه مازال هناك ما يزيد عن 800مليون نسمة يمثلون %18من سكان العالم النامي يواجهون مشكلة عدم الأمـن الغذائي، و ما يفوق عن 166مليون طفل يعانون من سوء التغذية، و 10ملايـين طفـل يتحولون سنويا إلى معاقين عقليا وجسديا بسبب سوء التغذية، وما بين 7-5ملايين طفل يموتون سنويا بسبب أمراض مرتبطة بسوء التغذية .

ولتحسين مستوى الأمن الغـذائي في أي بلد يجب الاهتمام بثلاثة جوانب رئيسية، مرتبطة ببعضها البعض، وهي:

أ/ كفاءة إنتاج المحاصيل الغذائية.

ب/ وجود الهياكل الأساسية لتوفر الأمن الغذائي من حيث: التخزين، والنقل والمعلومات المتعلقة بإنتاج المحاصيل الغذائية وأسعارها.

ج/ سهولة التجارة الخارجية واستقرار الأسواق العالمية للأغذية.

هذا ويختلف دور الزراعة في تعزيز الأمن الغذائي في البلدان النامية اختلافاً جوهريـاً عنه في البلدان المتقدمة، نظرا لتباين مستوى التقدم الاقتصادي في كليهما، غير أن هـذه الحقيقة لا تعترف بها على الإطلاق اتفاقية الزراعة في شكلها الحالي. ومن هنـا كانـت المناداة بضرورة السماح للبلدان النامية، وبخاصة تلك التي تعاني مـن انعـدام الأمـن الغذائي، بهامش من المرونة يتجاوز تلك المبادئ والشروط التعجيزيـة التـي تضـمنتها  اتفاقية الزراعة، وذلك حتى يتسنى لمثل هذه البلدان مـن تطـوير نشـاطها الزراعـي، وبالتالي تستطيع تلبية أهم احتياجاتها في مجال الغذاء.

وفي هذا الصدد تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن 826مليون نسمة كانوا يعانون من نقص التغذية خلال الفترة ،1998-1996منهم نحو 792مليون نسمة يعيشون في البلدان النامية. وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد انخفض بنحو 40مليون نسمة فيما بين فترة 1982-1980وفترة  1997-1995أي أنه كان يقدر بـ 866=40 + 826مليون نسمة، فإن هذا التحسن لم يكن متوازناً، فقد كان يعزى إلى انخفاض عدد من يعانون من نقص التغذية بنحو مائة مليون نسمة في 37بلداً في الوقت الذي ارتفع عددهم بنحو 60مليون نسمة في بقية البلدان. وعلى الرغم من زيادة توافر الأغذية المخصصة للاستهلاك البشري المباشر بنسبة %19فيما بين 1960و ،1996-1994كان هناك تفاوتا شديدا فيما بين البلدان.

وعلى سبيل المثال، فإن نصيب الفرد من إنتاج الأغذية في البلدان الأقل نمواً اتجه نحو الانخفاض على مدى السنوات الأربعين الماضية بينما ارتفع بنسبة 40في المائة في البلدان النامية ككل. وفيما بين 1980و ،1996انخفض نصيب الفرد في 29بلداً من البلدان الأقل نمواً وعددها 42بلدا .وفي سياق متصل تتوقع ذات المنظمة أنه خلال السنوات العشرين بين 1990و 2010سوف ينخفض معدل النمو في الإنتاج الزراعي العالمي إلى نحو %1.8سنويا مقارنة بنحو %2.3سنويا في السنوات العشرين السابقة لهذه الفترة.

وعلى ضوء التحليلات التي أجريت على العوامل الرئيسية التي تكمن وراء هذه الاتجاهات، فإنه لا يمكن تحقيق تقدم ملموس في دفع عجلة النمو الاقتصادي، والتخفيف من حدة الفقر وتعزيز الأمن الغذائي في معظم الحالات، دون النهوض بإمكانيات القطاع الزراعي، وزيادة مساهمته في تحقيق التنمية الاقتصادية العامة.

ومما لاشك فيه أن التحسينات المتوقعة في نظام الحوافز التي تقدم للمنتجين في البلدان النامية، من أجل تحسين إمكانيات التنمية الريفية، تبرر جزئياً تحرير التجارة؛ غير أنه ليس من المحتمل أن يكون لذلك تأثيرا إيجابيا مباشرا بالنسبة لبعض البلدان النامية، بسبب معوقات العرض وعدم قدرة المنتجين فيها على الاستفادة من الفرص التجارية الجديدة بخوض المنافسة في أسواقهم، أمام الواردات التي مازال بعضها يستفيد من الدعم وغير ذلك من الممارسات الأخرى غير التنافسية.

وقد أوضحت تجارب التنمية بما لا يدع مجالاً للشك، أن انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي بالمناطق الريفية في البلدان النامية، هي من نتائج استراتيجيات التنمية الخاطئة والتي تغاضت عن أهمية تنمية القطاع الزراعي، وخصوصا فيما يتعلق بإنتاج الأغذية الأساسية التي يحتاجها السكان.

كذلك أظهرت التجارب أن تعزيز الأمن الغذائي في البلدان النامية، يتطلب مجموعة من السياسات يتم إعدادها بعناية، ومستمدة من الواقع تعالج بطريقة مرنة ومتكاملة جوانب العرض والتوزيع والاستهلاك في السلسلة الغذائية؛ ولكي يتسنى تعزيز الأمن الغذائي ينبغي على الدول النامية مراعاة التدابير التالية:

· دعم الأسعار

ويتم دعم الأسعار إما عن طريق التدابير الحدودية وحدها أو الربط بين التدابير الحدودية وبعض ترتيبات الأسعار المحلية مثل تحديد الأسعار الدنيا المضمونة، وأسعار التجزئة المستهدفة، وغيرها. وتبعاً للربط بين التدابير الحدودية والسياسات السعرية المحلية، يمكن أن تجد بعض الفئات الاجتماعية المختلفة أن أمنها الغذائي يتأثر بشكل مختلف؛ فنجد مثلا أن بعض الترتيبات التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق المحلية تفيد المزارعين وتضر بالمستهلكين (والعكس صحيح). وعليه فإنه من الممكن التقليل من تأثير ذلك عن طريق سياسات دعم الأسعار الموجه نحو فئات معينة (مثل صرف الأغذية بالبطاقات، وإقامة المحلات التي تبيع بأسعار منصفة، وتدابير تحويل الدخل إلى الفقراء، ووضع آليات للبيع بالتقسيط لبعض الفئات …الخ)، غير أن ذلك يكون على حساب تكلفة كبيرة تتحملها ميزانية الحكومة، وهذا ما لا تستطيعه معظم البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي؛ كذلك فإن تثبيت الأسعار العالمية بالنسبة للمستهلكين، مع تقديم الدعم للمزارعين يفرض ضغوطاً مماثلة على ميزانية الحكومة، وإن كان من الممكن أحياناً تعويضها إلى حد ما في حالة المواد الغذائية المستوردة من الإيرادات الناتجة عن رسوم الواردات. ولا يختلف الوضع بالنسبة للمنتجات التصديرية عن الوضع الخاص بالبضائع المستوردة؛ فكثيراً ما كانت الضرائب تُفرض على الصادرات في الماضي للمساعدة في الإبقاء على الأسعار المحلية؛ ولكن ذلك يكون عادة على حساب مصلحة المزارعين الذين يكونون في كثير من الحالات أكثر فقراً من سكان المناطق الحضرية. وعلى النقيض من ذلك، فإن السياسات التي تعزز الصادرات عن طريق الدعم يمكن أن تزيد من دخل المزارع وإن كان ذلك على حساب الميزانية الحكومية والمستهلكين. ويمكن استخدام دعم الصادرات في تعزيز النفاذ إلى الأسواق فضلاً عن أنه يعد خياراً مفيداً في التخلص من الفوائض غير المعتادة التي تحدث في السنوات التي يجود فيها المحصول.

· دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي

كثيراً ما يستخدم دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي في تعويض انخفاض الأسعار التي يحصل عليها المنتجون. والمعتاد هو أن يشمل الدعم بنوداً مثل الأسمدة، والبذور والوقود. ويعد توفير الدعم الحكومي من خلال الإعانات لعامة المناسبة من الأدوات المشروعة والضرورية لتصحيح جوانب الفشل في الأسواق ومواجهة المنافسة المجحفة. فبالنسبة للعديد من البلدان النامية نلاحظ أن النمو الزراعي المستدام قد تحقق ولو نسبيا عن طريق الربط بطريقة حكيمة بين دعم مستلزمات الإنتاج (دعم أسعار الأسمدة، وخطط الائتمان، ودعم سعار الوقود وإدارة المياه)، وسياسات تسعير المنتجات والتدابير الحدودية. ومن جهة أخرى فقد استخدمت بعض البلدان سياسات الأسعار بكفاءة في تشجيع الأخذ بالتكنولوجيات الجديدة أو تنويع الإنتاج الزراعي بإدخال محاصيل زراعية جديدة من أجل تحسين القدرات الإنتاجية. وعلى الرغم من أن أشكال الدعم هذه أقل كفاءة من المدفوعات المباشرة التي تُقدم للمزارعين، فمن الممكن أن يكون لها مكانا مهما في أية إستراتيجية للتنمية.

وما لم يكن هذا الدعم موجهاً بعناية وصرامة نحو الفئات المحتاجة فعلا، فإنه يمكن أن يتخطى المنتجين الصغار (عن قصد أو دون ذلك)، وعندئذ قد تكون التحويلات غير اقتصادية لأنها تذهب لصالح الفلاحين المقتدرين؛ ولهذا تعد حماية مستويات المعيشة في الريف خصوصا، من المنافسة المجحفة والتقلبات الشديدة في الأسواق العالمية والمحلية ضرورية أيضاً لتحقيق التنمية؛ ولهذا ينبغي حماية مستويات معيشة صغار المزارعين في الريف بإتباع تدابير الحماية الحدودية من أجل التخفيف من حدة التأثيرات السلبية الناجمة عن دعم استيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي والتقلبات التي تطرأ على الأسعار في الأسواق العالمية.

· التدخل لتصحيح جوانب القصور التنظيمية

ويكون التدخل حيثما لا تعمل الأسواق بشكل جيد، كما هو الحال عند الافتقار إلى المعلومات الخاصة بالأسواق، أو وجود احتكار لعمليات الشراء والبيع، أو وجود تدخل سياسي، بحيث لا تتحقق الاستجابة المتوقعة من جانب العرض؛ وفي مثل هذه الحالات يتطلب الأمر إنشاء أو تعزيز المؤسسات التي تنظم حصول صغار المنتجين على مستلزمات الإنتاج الزراعي وتسهيل دخولهم إلى أسواق بيع المنتجات مما يؤدي إلى تكلفة منخفضة نسبيا على الحكومة.

وغالبا ما تكون مرونة في حيازة الأراضي وتدعيم مؤسسات التمويل لها كبيرة الأهمية، حيث تساعد حيازة الأراضي على الحصول على مزيد من الأراضي المنتجة والاستثمار في الأرض وتحسين القرارات التي تتخذ بشأن استغلالها وزيادة الربط بينها وبين الاستهلاك، بينما تساعد مؤسسات التمويل الريفي على تشجيع الاستثمار، وخصوصـاً بالنسبة لمستلزمات الإنتاج الموسمية. وعموماُ، فإن توفير المؤسسات المرنة، والأطر التنظيمية والتدريب هي أمور ممكنة حتى وإن تطلبت إعانات في البداية.

يتضح من المناقشة السابقة وجود مجموعة من أدوات السياسات التي يمكن استخدامها في زيادة الإنتاج من أجل دعم أهداف الأمن الغذائي في البلدان النامية. ويتم ذلك بالتركيز على تحديد آليات زيادة الدعم للإنتاج المحلي، بمحاولة التخفيف من حدة المعوقات الداخلية القائمة، والإبقاء، في نفس الوقت، على خيار استخدام التدابير التي تنطوي على تكلفة أعلى في حالة توافر الموارد التي تغطي ذلك في المستقبل. وموازاة مع ذلك يبدو أن معظم السياسات لها بعض التأثير على حجم التجارة إما بشكل مباشر، أو عن طريق زيادة الحوافز للمنتجين المحليين، من أجل تحسين قدرات الإنتاج، والتصدير. نستخلص مما سبق أن القطاع الزراعي يعتبر أهم القطاعات في اقتصاديات الدول النامية، وذلك لمساهماته البالغة الأهمية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية عموما؛ فالزراعة هي أول الأنشطة الاقتصادية وبدونها لا يمكن أن تقوم للحياة قائمة، ولهذا فقد أصبحت زيادة الإنتاج الزراعي ضرورة حتمية حتى تساهم الزراعة بإيجابية في مجالات عديدة في التنمية الاقتصادية، فكونها مصدرا رئيسيا للمواد الغذائية وغيرها من المواد، فالزراعة أيضا مسؤولة عن إمداد سكان الاقتصاديات الأخرى غير الزراعية بالغذاء والكساء، بالإضافة إلى إمداد القطاعات الأخرى بكثير من المواد الإنتاجية مثل رأس المال والمواد الأولية والموارد البشرية التي تحتاجها؛ ولهذا فإن تخلفها يعطل تَقدم القطاعات الاقتصادية الأخرى. فالزراعة في أي اقتصاد معين يمكن أن تساعد في دفع عجلة التنمية، وبالتالي التقدم الاقتصادي، كما يمكن أن تكون عكس ذلك، إذا لم تنل العناية والاهتمام الكافي. والملاحظ أن الزراعة في أغلب الدول النامية ما تزال متخلفة وغير فعالة، حيث أنها لم تكن تحظى بقدر كاف من الاهتمام في مشاريع التنمية الاقتصادية، حيث ساد الاعتقاد بأن تنمية الصناعة هو العامل الفعال في عملية التنمية الاقتصادية، وأن التقدم هو حالة مرادفة للتصنيع. وعليه، فإن الواقع الذي تعرفه الزراعة في الدول النامية ليس على ما يرام؛ فإن كان هذا القطاع يتميز عن غيره من القطاعات الإنتاجية الأخرى، من حيث طبيعته ودوره في التنمية، فإنه كذلك يعرف مشاكل ومعوقات صاحبت جهود التنمية الزراعية في مثل هذه الدول، بحيث ساهمت في إضعاف دوره التنموي. وهذا ما سوف يتم تفصيله من خلال التركيز على الجزائر لاحقا.

ما مدى فائدة هذا المنشور؟

انقر على نجمة للتقييم!

متوسط التقييم 4.5 / 5. عدد الأصوات: 2

لا توجد أصوات حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

السابق
تباين معدلات الإنتاج الزراعي في العالم
التالي
السياسات الزراعية

اترك تعليقاً