لقد شاب مفهوم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أواخر الخمسينات وخلال الستينات، بعض الغموض ومفاده أن أغلب الدول المتقدمة كانت اقتصادياتها ترتكز أساساً على النشاط الإنتاجي الصناعي، في حين أن أغلب البلاد المتخلفة اقتصادياً كان اقتصادها يعتمد بالدرجة الأولى على النشاط الإنتاجي والزراعي والمنجمي. وهذا ما يفسر ميل الكثير من المفكرين الاقتصاديين إلى الربط بين التنمية الاقتصادية والتقدم الاقتصادي، من جانب، ومدى اتساع النشاط الإنتاجي الصناعي من جانب آخر، ففي هذا الصدد تعتقد بعض الدول النامية بضرورة التوجه نحو الصناعات المصنعة من أجل دعم مجهودها التنموي انطلاقا من النسيج الصناعي أين تهيمن الصناعات الثقيلة والتي من خلالها يتم إنعاش إنتاجها وتلبية احتياجاتها المختلفة؛ كما ترسخ كذلك في أذهان الكثيرين الربط بين التخلف الاقتصادي والنشاط الإنتاجي الزراعي
وهكذا بقيت الزراعة قائمة على استخدام الأساليب والطرق الأولية التقليدية أو البدائية، الشيء الذي أدى إلى نقص الإنتاج الزراعي كما وكيفا. بالإضافة إلى قصور ومحدودية مجال البحث العلمي الزراعي وعدم فعالية أجهزة الإرشاد الزراعي على الخصوص فيما يتعلق بالتغلب على العوائق البيئية التي تؤثر على الناتج الزراعي. فكان نتيجة لهذا كله أن بقي البنيان الزراعي في هذه الدول ضعيفا ومتأخرا بدرجات تتفاوت من دولة إلى أخرى.
ويتمثل ذلك بصفة خاصة في ضعف إنتاجية العامل الزراعي وضعف إنتاجية الوحدة من الأرض الزراعية، وسوء توزيع الملكية وما يترتب على ذلك من انخفاض في مستوى معيشة سكان الريف بالدرجة الأولى.
وإلى جانب تلك السمات التي أشرنا إليها سابقا (السمات البنائية ـ النمطية العامة للإنتاج الزراعي ) والتي تشترك فيهـا كـل الدول سواء كانت متقدمة أو نامية أو متخلفة، فإن القطاع الزراعي في الـدول الناميـة تحديدا يتسم بسمات وخصائص معينة، والتي عادة ما تكـون فـي معظمهـا متشـابهة ومرتبطة بالمشاكل العامة التي تعاني منها اقتصاديات هذه الدول، ومن بـين أهـم هـذه الخصائص ما يلي:
صغر الحيازات الزراعية:
لعل الصفة المشتركة بين مختلف الدول النامية هي الانخفاض المحسوس في نصيب الفرد من وحدة المساحة الزراعية المستغلة.
حيث تتقلص المساحة المستغلة في الزراعة باستمرار، والسبب في ذلك يعود إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني الكبير مقارنة بالدول المتقدمة؛ وهذا من شأنه زيادة الكثافة السكانية في وحدة المساحة بشكل عام والكثافة السكانية الزراعية بشكل خاص.
بحيث تصبح الرقعة المزروعة غير قادرة على توفير الحد الأدنى من إنتاج الكفاف، كما تصبح مصدرا للبطالة المقنعة، فيترتب على ذلك الانخفاض في نصيب الفلاح أو المزارع.
وهذا الانخفاض لا نجده بالنسبة للدول المتقدمة التي تعرف نموا سكانيا منخفضا إلى جانب اعتمادها على تكنولوجيا متطورة.
واستنادا لبعض التقديرات الإحصائية في هذا السياق، فإن نصيب الفرد من الرقعة الزراعية في الدول النامية هو منخفض للغاية، إذ يعادل 0.76هكتارا في حين يبلغ 13.5هكتارا في الدول المتقدمة ،وذلك بفارق يقدر بحوالي ثمانية عشرة مرة.
مما يترتب عليه انخفاض نصيب الفرد من الإنتاج الزراعي إضافة إلى هدر قوة العمل وعدم اقتصادية استخدام الآلات في العمل الزراعي بسبب صغر الحيازات.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستفادة من مميزات اقتصاد الحجم الكبير، وفرض الأمر الواقع بمواصلة الاعتماد على الأساليب التقليدية في الإنتاج، وبالتالي انخفاض حجم الإنتاج الزراعي وتدني مردوديته.
وعلى هذا نجد الزراعة في الدول النامية نظرا لصغر مساحة الحيازة الزراعية وانخفاض الإنتاج فيها تقوم من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي العائلي أو ما تعرف باسم الزراعة القوتية، وليس بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي وتجاوزه لتأمين حاجات السوق والتبادل الخارجي.
تدهور التربة
يعد تدهور التربة من المشكلات البيئية العويصة بمعظم الدول النامية، والذي يحدث نتيجة لمختلف الأنشطة الإنتاجية ومحاولة الإنسان استغلال الموارد الطبيعية التي تتوفر لديه في الزراعة والرعي لتوفير الغذاء لنفسه وعائلته ولحيواناته، وكذلك من أجل توفير الطاقة والمأوى على حساب الغابات المحدودة والتي تحاصرها الحرائق باستمرار .
كما تمثل تعرية التربة مشكلة خطيرة في مناطق حساسة إيكولوجيا، فهناك مناطق “يفوق معدل فقد التربة معدل تكونها الطبيعي. وتشير بعض التقديرات إلى
أن الفقد في الأراضي الزراعية الناجم عن تدهور التربة يصل إلى سبعة ملايين هكتار كل عام، ويقدر الفقد في الطبقة العلوية من التربة بأربعة وعشرين مليون طن سنويا، ويقود هذا إلى استنفاذ مغذيات التربة من النتروجين والفوسفور والبوتاسيوم مما يتطلب تعويضها بالكامل بالأسمدة الكيميائية التي تتسبب بدورها في تلويث الهواء والمياه الجوفية والسطحية”.
التلوث بالمبيدات والأسمدة
تفيد تقارير منظمة الأغذية والزراعة بأن حوالي % 40من المحاصيل الزراعية في الدول النامية تضيع على مستوى المزارع والحقول بسبب الأمراض النباتية المختلفة والحشرات والحشائش الضارة المختلفة.
ولهذا فقد أصبحت مكافحة الآفات والأمراض التي تصيب المحاصيل الزراعية من أولويات المشتغلين في القطاع الزراعي، “ومما لاشك فيه أن استعمال المبيدات لمكافحة الآفات الزراعية قد ساهم كثيرا في الحفاظ على إنتاج الغذاء في العالم حيث يقدر أن كل دولار ينفق على المكافحة للمبيدات ينقد ما قيمته 4دولار من المحصول.
ولذلك فقد انتشر الاستعمال المكثف للمبيدات في العالم في مجالات الزراعة والصحة العامة؛ غير أنه بالرغم من النجاح النسبي الذي حققته المبيدات في مجال التحكم في الأمراض وفي احتواء الآفات، فإن الكثير منها يؤثر سلبا على رفاهية الإنسان وعلى البيئة وفي المدى البعيد تفقد فعاليتها” ،وهذا ما تحذر منه فلسفة التنمية الزراعية المستدامة، التي تراعي بالدرجة الأولى المحافظة على البيئة، وحق الأجيال المستقبلية.
انخفاض المستوى التكنولوجي في الزراعة
إن انخفاض الإنتاجية بالنسبة للدول النامية مرده بالدرجة الأولى الاعتماد في الإنتاج على تكنولوجيا بسيطة أو تقليدية، حيث تعتمد الزراعة في مثل هذه الدول على العمل اليدوي الإنساني أو الحيواني أكثر من كونها تعتمد على الآلات والمعدات كالجرارات والحاصدات والآلات المختلفة أو على تكنولوجيا متطورة، إلى جانب قلة استخدام الأسمدة والمبيدات والبذور المحسنة.
مما يؤثر سلبا على كمية الإنتاج الزراعي، بحيث تقتصر الزراعة على تحقيق الاكتفاء الذاتي للمزارعين (من أصحاب الحيازات وعوائلهم).
وقد بدأت الجزائر تستفيد أكثر فأكثر منذ مطلع التسعينيات بالمدخلات الحديثة للإنتاج والتكنولوجيا باستخدام أكثر للأسمدة والعتاد الفلاحي، كما بدأت تتوسع في إدخال تقنية الرش المحوري وكذلك السقي بالتنقيط، والتي هي في طريقها للانتشار أكثر.
البطالة الزراعية
يعاني القطاع الزراعي في الدول النامية من مشكلة البطالة سواء منها المقنعة أو الموسمية، وذلك نتيجة الزيادة في معدلات النمو السكاني المرتفع الذي يميز مثل هذه الدول من جهة، وانخفاض حاجة الزراعة إلى اليد العاملة الزراعية بسبب التقدم التكنولوجي، من جهة أخرى؛ حيث أصبح الاستغناء عن اليد العاملة واستبدالها بالآلات الزراعية أمرا واقعا أمام التطورات التكنولوجية التي يعرفها العالم.
هذا إلى جانب انتشار الحيازات الصغيرة والعائلية التي تطبع الزراعة في الدول النامية (كما أشرنا)، والتي لا يقدر أصحابها على امتلاك أو استعمال التكنولوجيا؛ وبالتالي لا تجتذب عمالة زراعية.
مما أدى إلى ظهور احتياطي معتبر من المزارعين الافتراضيين ممن يتمتعون بقدرات وإمكانيات تؤهلهم للعمل ويرغبون في ممارسة هذا النشاط غير أنهم لا يجدون عملا يقومون به.
ولهذا يضطرون للبقاء معا في شكل مجموعات يشتركون في أداء مهامهم القليلة، والتي يمكن أن يؤديها عددا أقل تبعا لمعايير العمل العادية.
ومما يزيد من تفاقم مشكلة البطالة الزراعية هو انعدام فرص بديلة للعمل كوجود صناعات كافية لامتصاص اليد العاملة الفائضة؛ مما يمكن معه الحديث عن نوع من البطالة الهيكلية في أرياف الدول النامية، ناتجة عن وفرة اليد العاملة وندرة عوامل الإنتاج الأخرى كالأرض ورأس المال.
هدر الموارد الزراعية:
تعتبر الأراضي الزراعية أهم عناصر الإنتاج الزراعي، بل هي عماد العمل الزراعي كنشاط اقتصادي.
ورغم الثبات النسبي للمساحة الزراعية على مستوى العالم مقارنة بالزيادة المتواصلة في عدد السكان، فإن هذه المساحة تتعرض لصور متعددة من الاستنزاف والتناقص، مما يؤدي إلى تعميق الفجوة بين إمكانيات توفير الغذاء من ناحية، والتزايد السكاني المستمر من ناحية أخرى؛ كما أن كثيرا من الممارسات غير الرشيدة لاستخدام الأرض – في إطار النشاط الزراعي- أدت وتؤدي إلى إنقاص إنتاجيتها إلى درجة أصبحت معها مساحات كبيرة غير قادرة على إنتاج المحاصيل الزراعية الضرورية .
وتأتي في مقدمة أشكال هدر الموارد الطبيعية والتي هي كثيرة ومتنوعة، الاستغلال المحدود أو المنقوص لكامل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة سواء بسبب الإهمال أو نتيجة لأسلوب التبوير لاستعادة خصوبتها (وذلك لعدم استخدام ما يكفي من الأسمدة)، أو نظرا لعدم استصلاحها (لشح الاستثمارات الضرورية).
كما أنه من بين مظاهر هدر الأراضي الزراعية تحويلها لمجال الإسكان والتعمير لتلبية الطلب المتزايد على السكن؛ خصوصا إذا علمنا أن نسبة الزيادة السكانية
في الدول النامية هي مرتفعة؛ فبالنسبة للجزائر مثلا وإن عرفت اتجاها نحو الانخفاض إلا أنها تبقى مرتفعة، فقد كانت سنة 1966مثلا تقدر بـ ،%3.21لتبلغ سنة 1998ما يعادل ، %2.28 واستنادا لتقرير أوضاع الأمن الغذائي العربي لسنة ،2003 فإن معدلات نمو السكان في العالم العربي تعد من معدلات النمو العالية على المستوى العالمي؛ بحيث يقدر بنحو %2.24خلال الفترة ،2003-1990في حين يقدر المعدل العالمي بنحو%1.16 خلال نفس الفترة.
وغير خاف، أن نمو السكان يؤثر على إمكانية الحصول على الغذاء عن طريق تأثيره في الطلب على السلع الغذائية .
كما لا تفوتنا الإشارة إلى اتساع ظاهرة التصحر على حساب الأراضي الزراعية، والتي تعاني منها الجزائر كثيرا.
بالإضافة إلى الهدر الذي تعرفه المياه إما بإتباع طرق ري غير اقتصادية أو نتيجة للتلوث، زد على ذلك ندرتها بصورة عامة.
ومما يزيد من حدة هذه الظاهرة هو عدم الاستفادة من الطرق والأساليب العلمية في الإنتاج، وعدم تطبيق دورات زراعية سليمة، وأنواع جيدة وملائمة من المحاصيل.
انتشار الأمية وانخفاض مستوى التعليم
تعرف معظم الدول النامية مستوى عالي من الأمية بين سكانها، وتتفاقم هذه الظاهرة أكثر في الريف بين الفلاحين والعاملين بالقطاع الزراعي، كما أن المتعلمين إن وجدوا فإن نسبتهم قليلة، ويعانون من ضعف المستوى التعليمي، حيث أن غالبيتهم لا يواصلون تعليمهم؛ والقلة القليلة التي تواصل تعليمها من سكان الريف تهاجر نهائيا، بحيث لا يستفيد عالم الريف من علمها.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد من الأمية أو تدني مستوى التعليم، وإنما يسود غياب أو انعدام التكوين والتأهيل المهنيين. ومثل هذه الوضعية من الأمية وانعدام التكوين العلمي والمهني، تجعل من الفلاح مقتنعا بأنه الأكثر دراية وتأهيلا بهذه المهنة، فيتمسك بتلك الممارسات والتقاليد الزراعية المتوارثة، ويصر على تلقينها لغيره رافضا أي تجديد.
كما أن ضعف مستوى التعليم العام ومن خلاله ضعف مستوى التعليم المهني إن وجد، فإنه في الكثير من الأحيان يغلب عليه الطابع النظري البعيد عن اعتماد البحث العلمي الزراعي، حيث أن مدارس ومعاهد التكوين تُخرج مجرد موظفين إداريين بعيدين عن العملية الزراعية ـ الإنتاجية.
والجدير بالذكر أن التقدم التقني والمعرفة العلمية التطبيقية في الزراعة، مرهون بمراعاة عدد غير محدود من الشروط التي يصعب التعرف عليها، كما تتطلب التعرف المباشر بمواصفات وتركيبة هذا الكائن الحي (النبات أو الحيوان) والذي يختلف من منطقة إلى أخرى، وبالتالي لا يجوز نقل نتائج البحوث من بلد إلى آخر أو من منطقة إلى أخرى دون مراعاة لهذه الاختلافات. ولهذا فمن المفيد أن تتكون هيئات علمية محلية كلما تطلب الأمر ذلك. وفي هذا الصدد “يشير تحليل تاريخ تطور الزراعة في البلدان المتقدمة أن الدول التي عملت على تعميم التعليم العام في الأرياف وتطوير التعليم الزراعي سواء لإعداد الكوادر الفنية (باحثين، مديرين، وفنيين
وممارسين) أو لإعداد منتجين زراعيين مزودين بمعارف تؤهلهم للقيام بالأعمال الزراعية على نحو صحيح، قد حققت تقدما ملموسا في الزراعة أكثر من الدول التي قصرت في هذا المجال.
ويورد الاقتصاديون الأوروبيون تجربة كل من الدانمارك وهولندا لتأكيد هذا الاستنتاج، حتى أن تفاوت التقدم الزراعي بين مناطق البلد الواحد يرتبط بانتشار المدارس الزراعية ومراكز البحث الزراعي، أيضا لهذا يؤكد المختصون على ضرورة تعميم التعليم العام في الأرياف وتعميق دور التعليم الزراعي بحيث يمكن جعله في متناول كل المنتجين الزراعيين، شرطا لتحقيق التقدم المطلوب في مجال الزراعة”.
نقص الموارد المائية المخصصة للري
حيث تتصف الزراعة في الدول النامية على العموم بكونها بعلية، أي أنها تعتمد على مياه الأمطار والتي تكون أمطارا موسمية لا يستفاد منها إلا خلال فترة زمنية محدودة ولزراعة محصول واحد فقط.
وتعتبر الزراعة المطرية هي السائدة عالميا، ولكن نظرا لوجود الجزائر ضمن منطقة مناخية لا تتوفر دائما على نسبة عالية من الأمطار، فإن الزراعة القائمة على الري تصبح ذات أهمية. كما أن مياه الأمطار تكون متذبذبة لا يعول عليها دائما إذ غالبا ما تهدد الزراعة بمواسم رديئة وفي بعض الأحيان تكون كارثية عندما يسود الجفاف أو الفيضانات.
فمن المتعارف عليه أن نقص المتوسط السنوي للأمطار عن 25سم يؤدي إلى عدم قيام الزراعة المطرية أصلا.
ولا يكفي الوقوف عند المتوسط السنوي للمطر وإنما ينبغي معرفة التوزيع الفصلي له، فقد يكون المتوسط غير كبير لكنه يتركز في موسم واحد مما يساعد على قيام الزراعة المناسبة، أما نمط الأمطار الموسمية فإن جله يضيع دون الاستفادة منه. أضف إلى ذلك التقلبات السنوية للمطر، حيث تكون الكمية المطرية متذبذبة بين سنة وأخرى، فنجد تفاوتا في معدل الأمطار كل سنة مما يجعل الزراعة المطرية غير مستقرة. أما الزراعة المروية فهي التي تعتمد على الري من مياه الأنهار، وتتطلب التدخل المستمر لتنظيم وتقنين استخدام المياه، ولذلك ترتبط بعديد من المشروعات المكملة كإقامة السدود وشق القنوات وتنظيم عمليات الصرف.
وتعتبر الزراعة المروية بصفة عامة أكثر تقدما وانضباطا، وذلك نظرا لإمكانية التحكم فيها من حيث إعطاء كمية الماء المطلوبة لنوعية المحاصيل الزراعية وتوزيعها وفقا لمواقيت مدروسة؛ وذلك خلافا للزراعة المطرية التي تخرج عن إرادة الإنسان، وتخضع لتقلبات شديدة، أما الزراعة على المياه الجوفية فهي محدودة جدا ولا تمارس إلا عندما يشح المطر وتختفي مياه الري.
ولذلك فإن هذا المصدر محدود جدا ويطبق بالنسبة للواحات بالجنوب الجزائري، أو بعض مناطق شبه الجزيرة العربية. والجدير بالذكر أن توافر المياه وغيرها من العوامل الطبيعة أمر ضروري للإنتاج الزراعي وأن تخلفها أو تخلف بعضها يؤدي إلى نقص في معدل الإنتاج ونوعيته.
وهذا ما هو قائم إذ أن جل الدول النامية تفتقر إلى الأموال اللازمة لبناء السدود لتوفير مياه الري خلال المواسم الأخرى، ونتيجة لذلك فإن قسم كبير من الموارد المائية المتاحة يذهب هباء ليصب في البحار والمحيطات أو البحيرات الداخلية دون الانتفاع منه .
وقد عمدت الجزائر إلى إنشاء شبكة مهمة من السدود الكبيرة والمتوسطة، وكذلك تجميع المياه في بحيرات صغيرة (retenus) للاستفادة منها في الزراعة.
تدني الدخل الزراعي
وتعتبر هذه الخاصية كتحصيل حاصل لكل تلك الخصائص السالفة الذكر، والتي من دون شكك سوف تؤدي إلى انخفاض الدخل الزراعي، حيث يلاحظ أنه غالبا ما يعجز الإنتاج الزراعي من تغطية سعر التكلفة، وإن حدث فإن فائض الدخل عن التكاليف لا يغطي نفقات المعيشة للأسرة الريفية، لذلك يتدنى مستوى حياة غالبية السكان الريفيين. كما أن ما يتبقى من الدخل، بعد دفع كل نفقات الاستهلاك، لا يفي بمتطلبات الاستثمار في القطاع الزراعي، وهو غالبا ما يصرف في تحسين مستوى الاستهلاك أو كادخار احتياطي لتغطية التزامات اجتماعية، أو عند الحاجة إليه.
وحتى ذوي الدخول المرتفعة إن وجدوا فإنهم لا يوجهون مدخراتهم نحو الاستثمار الزراعي، وإنما يفضلون إنفاق مدخراتهم في المدينة أين يتواجدون ويعيشون؛ أو تجدهم يودعونها في المصرف والبنوك التي تقوم بتوجيهها نحو مشاريع في الصناعة والخدمات، وليس للقطاع الزراعي. ولهذا يحدث تدهور تدريجي للإنتاج الزراعي، ويصبح القطاع عبئا على موازنة الدولة بدلا من أن يكون مساعدا على تحسين ميزانيتها، ما لم تتدخل الدولة بإقامة المشاريع الاستثمارية المطلوبة، ومتابعة تنفيذها.
ونتيجة لما سبق نجد أن النسبة المئوية لما يساهم به الدخل الزراعي في الدخل القومي ضئيلة مقارنة بنسبة العامين بالقطاع الزراعي ففي أي بلد قد تصل نسبة العاملين في الزراعة إلى 60أو % 70من مجموع العمالة الوطنية لكن مساهمة النشاط الزراعي لا تتجاوز 20أو %25.
وهذا دليل على أن الزراعة هي نشاط اقتصادي غير مربح، وذلك ليس للعاملين فيها فحسب، وإنما أيضا بالنسبة للاقتصاد الوطني ككل.
ومما يزيد في حدة ذلك، أن معدلات الإنتاج الزراعي متدنية بشكل ملحوظ بالدول النامية، بسبب تدني الكفاءة الإنتاجية للأرض من جهة، وللعاملين فيها من جهة أخرى، وذلك نتيجة لعوامل متعددة، منها جهل المزارعين وتخلفهم في استعمال الأساليب والوسائل الزراعية الحديثة، والعجز عن استعمال الموارد المتوفرة بطريقة رشيدة وناجعة، مما يحول دون زيادة في كميات الإنتاج ومعدلاته. ومما يزيد في حدة المشكلة، أن معظم الإنتاج الزراعي يبقى داخل المزرعة نفسها ليصرف على الاستهلاك الشخصي أو لإطعام الحيوانات أو يحتفظ به لإعادة زراعته في الموسم الموالي، وذلك لأن غالبية المزارعين لا يزالون في المراحل الأولى للإنتاج الزراعي ويستهلكون معظم ما ينتجون وأن ما ينتجونه للبيع والتصدير لا يشكل إلا نسبة ضئيلة جدا بحيث لا يمكن أن يساهم في تحسين الوضع القائم. وهذا ساهم في انخفاض معدل دخل العائلة الفلاحية، إلى جانب سوء توزيع الأراضي أو الثروات أو الدخل، مما يجعل المزارعين وسكان الريف عموما فريسة سهلة للفقر والجوع والمرض يعيشون في مستوى منخفض للغاية.
ولهذا فإن المستوى المعيشي لحياة المزارعين يتسم بكونه منخفض جدا اقتصاديا واجتماعيا، وأن المجتمعات الريفية في هذه الدول تعاني كثيرا من النقائص والحرمان، وعلى درجة كبيرة من التخلف وعدم توفر الخدمات، مما يجعل الكثيرين منهم يهاجرون إلى المدن سعيا وراء مزيد من الدخل والخدمات الأفضل.