وهما عمليتان متشابهتان مؤلفتان من كلمتين الاولى Evaportion التبخر، والمقصود بها كمية المياه المتبخرة من المسطحات المائية أو من سطح التربة([1]) ، والثانية النتح Transpiration والمقصود بها فقدان النبات للماء من خلال ثغورها ومسامات الأوراق والأغصان والسيقان من النباتات الحية إلى الجو([2])وتعرف العملية المشركة بينهما بالتبخر-النتح، وهو يضم ذلك الجزء من التساقط الذي يعود إلى الجو من خلال التبخر المباشر ونتح النبات.
وعملية التبخر-النتح من العمليات المهمة في الإنتاج الزراعي، لارتباطهما بالعمليات الحيوية التي تجري في النبات، فعن طريق النتح يؤدي النبات وظائفه بصورة اعتيادية، وعليه فإن مقدار الماء الذي يلفظهُ النبات إلى الجو عن طريق النتح، يزيد كثيراً على مقدار المادة الجافة التي ينتجها المحصول، وتسمى النسبة فيما بينهما نسبة النتح التي يتراوح مقدارها بين 200-500% بالنسبة للأقاليم الرطبة وإلى ضعف ذلك في الأقاليم الجافة([3]).
يتحدد نمو النبات بدرجة كبيرة بالتوازن المائي الداخلي، لأن جميع العمليات الفسلجية تتوقف عليه، فحينما يفقد الماء عن طريق النتح بكمية أكبر مما يمتصه النبات عن طريق الجذور يحصل نقص في الماء الداخلي للنبات، وتسبب زيادة سرعة الرياح تحرك الهواء الملاصق للأسطح المائية لأوراق النبات مما يكسب جزيئات الماء طاقة تساعد على انطلاقها بعيداً عن هذه الأسطح ويتبدل بهواء جاف نتيجة لحركة الرياح([4])، وتعمل زيادة سرعة الرياح على زيادة حركة الأوراق في تقلصها وانبساطها مما يؤدي إلى فقدان الماء أيضاً.
تزايد الاهتمام بدراسة التبخر-النتح نتيجة لعلاقته بالاستهلاك المائي للنبات، إذ إن التباين في معدلات قيم التبخر زمانياً ومكانياً يؤدي إلى التباين في حجم الاحتياجات المائية للأراضي الزراعية ومحاصيلها المزروعة، فخلال مراحل نمو المحاصيل تختلف معدلات التبخر من سطح التربة والنتح من النبات حيث تصل المعدلات 100% في بداية موسم النمو حينما يكون ارتفاع النبات 1.5 مليمتراً، وتقل في المرحلة الثانية من مراحل النمو لتصل ما بين 60-65% ومن ثم تصل أدنى حد لها 14% حينما يصل النبات قمة ارتفاعه في المرحلة الأخيرة من مراحل نموه([5]).
وتتوقف عملية التبخر-النتح على مجموعة متغيرات([6])، منها ما يتعلق بالغطاء النباتي من حيث النوع والكثافة، ومنها ما يتعلق بنوعية التربة من حيث النسجة واللون، ومنها ما يتعلق بالمتغيرات المناخية منها الإشعاع الشمسي، ودرجة الحرارة وسرعة الرياح، وصفاء السماء، والضغط الجوي، إذ يؤدي تناقص الضغط الجوي إلى زيادة معدل التبخر-النتح والرطوبة النسبية التي تشكل علاقة عكسية مع قيم التبخر-النتح، فكلما زادت الرطوبة النسبية قلت قيمة التبخر-النتح وجميع هذه العوامل تؤثر في تباين التوزيع الزماني والمكاني لكمية المياه المتبخرة في منطقة الدراسة.
وعند احتساب معدلات التبخر-النتح وجب التفريق بين التبخر-النتح الفعلي(*) والتبخر النتح الكامن(**) إذ يعني الأول Actual Evapctnspirtion كمية المياه المتبخرة بالفعل من التربة، بينما يعني التبخر-النتح الكامن Porential Evapctnspirtion كمية المياه المفقودة من حقل مغطى بالنباتات في مرحلة نمو نشط ولا يعاني من نقص الرطوبة خلال هذه المرحلة وتحددها العوامل المناخية([7]). أو هو كمية المياه المفقودة بالتبخر من التربة والمياه التي يفرزها النبات بعملية النتح في حالة وجود مورد من المياه لسد احتياجات النبات. ولتقدير قيمة التبخر-النتح الممكن في منطقة الدراسة استعين بمعادلة الدكتور نجيب خروفة وزملائه لهذا الغرض بحكم دقة نتائجها، وملاءمتها لأحوال منطقة الدراسة المناخية، إذ لا تحتاج من المعلومات المناخية سوى المعدل الشهري لدرجة الحرارة ومعامل حراري متغير، يعتمد على النسبة المئوية لمجموع ساعات السطوع الشمسي الشهرية إلى مجموعها السنوي وبحسب المعادلة الآتية([8]):
حيث أن :
ETo = معدل التبخر-النتح (ملم)
P = النسبة المئوية لعدد ساعات السطوع الشمسي في الشهر بالنسبة لعددها في السنة (تؤخذ من ملحق (2)
C = معدل درجة الحرارة الشهرية المئوية
وبعد تطبيق المعادلة الرياضية للعالم العراقي الدكتور نجيب خروفة على محطتي منطقة الدراسة تم الحصول على قيم التبخر-النتح الممكن كما يظهر الجدول (28) إذ بلغ المجموع العام للتبخر-النتح الممكن في محطة كربلاء (2063.73ملم) كأعلى حد، وبلغ في محطة عين التمر (978.03ملم) كأدنى حد لها. وهناك حقيقة أخرى تظهر من الجدول هي أن قيم التبخر-النتح الممكن تتباين زمانياً ومكانياً بين محطتي منطقة الدراسة من فصل إلى آخر فخلال فصل الربيع تبدأ معدلات التبخر-النتح الممكن بالزيادة التدريجية بالاتجاه نحو فصل الصيف إذ تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع ويرافقهُ تناقص معدلات الأمطار وقلة الرطوبة النسبية، فخلال شهر آذار تراوحت معدلات التبخر-النتح الممكن ما بين (118.5-51.32ملم) في محطتي كربلاء وعين التمر على التوالي، أما في شهر نيسان فبلغ الحد الأدنى للمعدلات (90.86ملم) وهو الرقم الخاص بمحطة عين التمر والحد الاعلى تحقق في محطة كربلاء، كان ( 191.12)ملم.
أما في شهر مارس فقد تراوح ما بين (130.64-271.90ملم) في محطتي عين التمر وكربلاء وبالترتيب نفسه أيضاً ، أما في فصل الصيف فقد سجلت فيه أعلى قيم التبخر- النتح الممكن ففي شهر حزيران تراوحت معدلات التبخر-النتح ما بين(161.29-334.75)ملم في محطتي عين التمر وكربلاء، في حين سجلت محطة عين التمر أدنى حد للمعدلات خلال شهر تموز وبواقع (172.87)ملم، أما الحد الأعلى ومقدارهُ (354.94)ملم فكان لمحطة كربلاء. وفي شهر آب استمرت المعدلات عالية، إذ تراوحت بين (161.69-335.23)ملم كأدنى وأعلى حد في محطتي عين التمر وكربلاء على التوالي، وعند فصل الخريف بلغ أدنى معدل شهر تشرين الأول ومقداره (85.28-186.50ملم) في محطتي عين التمر وكربلاء كأدنى وأعلى حد على التوالي .
جدول (1) التبخر-النتح الممكن بحسب معادلة نجيب خروفة لمحطة كربلاء للمدة 1977-2007 ولمحطة عين التمر للمدة 1992-2007 خلال فصل نمو المحاصيل الصيفية
الأشهر المحطة | فصل الربيع | فصل الصيف | فصل الخريف | المجموع | |||||
اذار | نيسان | مايس | حزيران | تموز | اب | ايلول | ت1 | ||
كربلاء | 118.5 | 191.12 | 271.90 | 334.75 | 354.94 | 335.23 | 270.79 | 186.50 | 2063.73 |
عين التمر | 51.32 | 90.86 | 130.64 | 161.29 | 172.87 | 161.69 | 124.08 | 85.28 | 978.03 |
المصدر : أحتسب قيم التبخر-النتح الكامن اعتماداً على المصادر الآتية :
أ. جدول (7) درجة الحرارة الاعتيادية مْ – ب.ملحق (2) – ج.معادلة نجيب خروفة.
لقد احتسب قيم التبخر – النتح للمحاصيل المزروعة في منطقة الدراسة باعتماد قيم التبخر – النتح الممكن المحسوبة بطريقة (بليني-كريدل) التي هي عبارة عن معادلة تجريبية بسيطة لم تعتمد في تقديرها للتبخر-النتح على عناصر مناخية متعددة ومتداخلة، بل اعتمدت على معدل درجة الحرارة الشهريه والنسبة المئوية لمجموع ساعات السطوع الشمسي الشهرية إلى مجموعها السنوي كمتغيرين مناخين للتنبؤ بتأثير المناخ على الاستهلاك المائي للمحصول.
والمعادلة هي([9]) :
(ETo = Kp (0.46Tc+8.13
حيث أن :
ETo = كمية التبخر = النتح (ملم)
K = معامل تصحيح يستخرج من (0.0311Tc+0.24)
P = النسبة المئوية لعدد ساعات السطوع الشمسي في الشهر بالنسبة لعددها في السنة [تؤخذ من ملحق 2]
Tc = معدل درجة الحرارة الشهرية المئوية
من ملاحظة نتائج معادلة بليني-كريدل للتبخر-النتح الممكن الموجودة أعلاه في جدول (29) يتضح أن المجموع العام لقيم التبخر-النتح الممكن، تتباين بين محطتي منطقة الدراسة،إذ تراوحت المعدلات ما بين (880.49-1870.52)ملم لمحطتي عين التمر وكربلاء على التوالي.
وتظهر نتائج هذا الجدول حقيقة أخرى أيضاً وهي أن قيم التبخر-النتح الممكن تتباين زمانياً ما بين محطتي منطقة الدراسة خلال فصول السنة فخلال فصل الربيع تبدأ بالزيادة من شهر إلى آخر، وذلك لما يرافق هذا الفصل من تغيرات في العناصر المناخية من ارتفاع في درجات الحرارة وقلة في عنصري التساقط والرطوبة النسبية. ففي شهر آذار وقعت في المدى ما بين (46.84-106.14)ملم وهما الرقمان المتعلقان بمحطتي عين التمر وكربلاء كأدنى وأعلى حد لهما على التعاقب، بينما وقعت في شهر نيسان ما بين (80.05-168.96ملم) وفي شهر مايس ما بين (116.22-243.25ملم) لمحطتي عين التمر وكربلاء على التوالي. ويشهد فصل الصيف وللأسباب نفسها التي ذكرت آنفا، ارتفاع درجات الحرارة مع انعدام التساقط وقلة الرطوبة النسبية، ارتفاعاً في معدلات التبخر-النتح الممكن بحسب معادلة بليني كريدل. إذ حققت أدنى معدل للتبخر-النتح الممكن خلال هذا الفصل لشهر حزيران ومقداره (145.73) في محطة عين التمر، بينما حققت أقصى معدل ومقداره (305.82ملم) في محطة كربلاء، في حين سجلت في شهر تموز معدلات تراوحت بين (158.27-327.88ملم) وهما الرقمان المتعلقان بمحطتي عين التمر وكربلاء على التوالي، وعند فصل الخريف بلغ أدنى معدل لشهر تشرين الأول ومقداره (75.15-165.33ملم) في محطتي عين التمر وكربلاء.
جدول (2) المعدلات الشهرية والعامة (للتبخر-النتح الممكن (ملم) بحسب معادلة بليني-كريدل لمحطة كربلاء للمدة 1977-2007 ولمحطة عين التمر للمدة 1992- 2007
الأشهر المحطة | فصل الربيع | فصل الصيف | فصل الخريف | المجموع | |||||
اذار | نيسان | مايس | حزيران | تموز | اب | ايلول | ت1 | ||
كربلاء | 106.14 | 168.96 | 243.25 | 305.82 | 327.88 | 308.22 | 244.92 | 165.33 | 1870.52 |
عين التمر | 46.84 | 80.05 | 116.22 | 145.73 | 158.27 | 147.34 | 110.89 | 75.15 | 880.49 |
المصدر : أحتسب قيم التبخر-النتح الكامن اعتماداً على المصادر الآتية :
أ. جدول (7) درجة الحرارة الاعتيادية م – ب.ملحق (2) – ج.معادلة بليني – كريدل.
المراجع:
([1]) وفيق حسين الخشاب، سعد عبيد الربيعي، محمد جعفر السامرائي، معجم مصطلحات في الجغرافية الطبيعية، مصدر سابق، ص28 .
([2]) عبد المنعم بليغ، السيد خليل عطا، الماء مأزق ومواجهات، مطبعة الانتصار للطباعة، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية، 1997، ص149.
([3]) علي محمد المياح، الجغرافية الزراعية (الظواهر الزراعية وعوامل تباينها)، مصدر سابق، ص32 .
([4]) ريتشارد جي كورلي، الماء والأرض والإنسان، ترجمة وفيق الخشاب، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1979، ص246-247.
([5]) نسرين عواد عبدون الجصاني، العلاقة المكانية لزراعة أشجار الفاكهة النفضية بخصائص المناخ في العراق، مصدر سابق، ص119-120.
([6]) Ali, H. Shalsh, The Climate of Iraq, The Co. Operative Printing Presses, Worker Society Amman, 1966, P.20.
(*) يسمى التبخر النتح الفعلي أو فعال أوكلي أو حقيقي .
(**) يسمى التبخر النتح الكامن أو الأعظم أو المحتمل أو الممكن .
([7]) بدري علاوي، السيد رحمن حسن عزور، الري والبزل، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الموصل، مطابع جامعة الموصل، مديرية مطبعة الجامعة، 144.
([8]) عبد العباس فضيخ الغريري، سعدية عاكول الصالحي، علي مصطفى القيسي، جغرافية المناخ والغطاء النباتي، ط1، مصدر سابق، ص120.
([9]) محمد جعفر السامرائي، التباين المكاني لعناصر المناخ في العراق وتحديد الأقاليم المناخية، مصدر سابق، ص203.
المصدر :
أشواق حسن حميد صالح 2009 . أثر المناخ على نمو و إنتاجية المحاصيل الصيفية في محافظة كربلاء .